أثار الكاتب في مؤسسة كارنيجي جدلاً واسعًا حول أهداف السعودية من استثمارها المكثف في الفعاليات الثقافية والترفيهية، مؤكدًا أن مهرجان الرياض للكوميديا، رغم ما حظي به من دعاية ضخمة بوصفه حدثًا عالميًا، لم ينجح في تحسين صورة المملكة خارجيًا، بل أعاد النقاش حول سجلها الحقوقي إلى الواجهة. يرى الكاتب أن هذه المشاريع لا تستهدف الخارج بقدر ما تخدم أهدافًا داخلية: صياغة القيم الاجتماعية، وتوليد مصادر دخل جديدة، وتلبية مصالح شخصية لبعض المسؤولين.

تشير مؤسسة كارنيجي إلى أن الانتقادات اشتعلت بعد مشاركة السعودية في صفقة الاستحواذ المقترحة على شركة الألعاب الإلكترونية “إلكترونيك آرتس” (EA)، بالتزامن مع المهرجان. منظمات مثل هيومن رايتس ووتش استغلت المناسبة لتسليط الضوء على القيود المفروضة على حرية التعبير والدعوة لمقاطعة الحدث. كثير من الكوميديين رفضوا المشاركة، وانتقدوا زملاءهم الذين قبلوا الدعوات رغم الشروط التي تحظر أي انتقاد للسعودية أو العائلة المالكة أو الأديان. وبدلًا من تحسين الصورة، أعاد المهرجان تسليط الضوء على قضايا الحقوق والحريات في المملكة داخل الولايات المتحدة وخارجها.

اللافت أن عددًا قليلًا من المشاركين أشاروا علنًا إلى وجودهم في الرياض، ولم يُروّج معظمهم للمهرجان إلا عبر القنوات السعودية الرسمية، باستثناء الممثل الأميركي كريس تاكر. حتى من دافعوا عن مشاركتهم لم يقدّموا تبريرات مقنعة، بل أطلق بعضهم نكاتًا حول أوضاع النساء في المملكة، واكتفى آخرون بالحديث عن المقابل المالي.

وجود أسماء بارزة مثل عزيز أنصاري، وديف شابيل، ولويس سي.كيه، وبيل بور، بدا كأنه انتصار رمزي داخلي للسعودية في مواجهة صورتها كمنبوذة بعد مقتل جمال خاشقجي، إلا أن الكاتب يرى أن زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن عام 2022 كانت الحدث الفعلي الذي أزال ذلك الحرج، لا مهرجان الكوميديا. ويرى أن الدافع الحقيقي وراء المهرجان اقتصادي واجتماعي أكثر منه دعائي.

تسعى القيادة السعودية إلى توفير ما تسميه “جودة الحياة” كتعويض عن تراجع السخاء المالي وانكماش الدور الديني كمصدر للشرعية. منذ 2016، أكّد ولي العهد محمد بن سلمان أن الترفيه والثقافة يمكن أن يعوّضا انخفاض الدخل الفردي، وهو ما تجسد لاحقًا في تأسيس الهيئة العامة للترفيه التي تنظم حفلات ومواسم فنية ورياضية ضخمة. ومع توسعها، تحولت المهرجانات من فعاليات مغلقة إلى مهرجانات عامة تمتد من العروض الكوميدية إلى الحفلات الموسيقية في الصحراء.

يعكس المهرجان أيضًا رغبة الدولة في توجيه أذواق المواطنين نحو اهتمامات غير سياسية. ومع ذلك، فإن الجمهور المحلي أبدى شغفًا حقيقيًا بالثقافة الغربية منذ سنوات طويلة بفضل البعثات الدراسية الواسعة والانفتاح الرقمي. كثير من السعوديين تابعوا الكوميديين الأميركيين على يوتيوب قبل رؤية 2030 بسنوات، وبدأ بعضهم إنتاج محتوى ساخر محليًا رغم الرقابة.

تراهن السعودية على أن قطاع الترفيه سيصبح محركًا اقتصاديًا مستقبليًا، خصوصًا مع وجود شريحة شابة متعلمة تستطيع المنافسة في الأسواق العربية. إقبال الجمهور على المهرجان يشير إلى سوق واعدة للكوميديا المحلية، وقد بدأت شركات سعودية مثل “ثمانية” الاستثمار في هذا المجال بشراء نادي “كوميدي بود” وتوسيع نشاطها نحو محتوى ترفيهي بعد تركيزها السابق على البودكاست الجاد.

أما استثمار صندوق الاستثمارات العامة في شركة “إلكترونيك آرتس”، فيبدو ذا طابع مالي واستراتيجي أوضح، بمشاركة شركات مثل “سلفر ليك” و”أفينيتي بارتنرز” التابعة لجاريد كوشنر. تراهن الرياض على صناعة الألعاب بوصفها قطاعًا عالي الربحية، مستشهدة بتجربة شركة “سكوبلي” السعودية المالكة للعبة “بوكيمون جو” التي أنفقت أكثر من مليار دولار لترويج لعبة “مونوبولي جو”.

وراء هذه الاستثمارات أيضًا عوامل شخصية؛ إذ يُعرف محمد بن سلمان بولعه بالألعاب الإلكترونية، بينما يقود تركي آل الشيخ، رئيس هيئة الترفيه وصديقه المقرب، توسّع المملكة في مجالات الكوميديا والملاكمة والرياضات القتالية ضمن “موسم الرياض”. ويُشرف محافظ الصندوق ياسر الرميان على استثمارات في رياضة الجولف التي يعتبرها شغفه الأكبر.

مع ذلك، يذكّر الكاتب بأن التوسع في الترفيه الغربي لا يمكن فصله عن الجدل الحقوقي. فتح المجال أمام الكوميديين العالميين أعاد النقاش حول حرية التعبير أكثر من أي وقت مضى، حتى إنّ سخرية بعضهم من قضايا الصحافة والعمالة دفعت المنظمين إلى إلغاء مشاركاتهم. في النهاية، يرى الكاتب أن المملكة، وهي تسعى لتحديث صورتها داخليًا، تجد نفسها مكشوفة أمام النقد الخارجي، في مفارقة تُظهر أن الانفتاح الثقافي لا يمكن عزله عن سؤال الحرية نفسه.

https://carnegieendowment.org/emissary/2025/10/riyadh-comedy-festival-ea-backlash-saudi-arabia?lang=en